قبس من نور النبوة
الخلق الحسن
الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد، أيها المستمع الكريم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً بكم ومرحبًا فى حلقة جديدة من برنامجكم "قبس من نور النبوة"
فقد روى أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
أخى المستمع الكريم .... تحدثنا فى حلقة سابقة عن هذا الحديث الشريف، وقلنا إنه يشمل ثلاثة حقوق، حق الله، وحق النفس، وحق العباد، أما حق الله تعالى فهو فى قوله صلى الله عليه وسلم "اتق الله حيثما كنت"، وأما حق النفس فقوله صلى الله عليه وسلم " وأتبع السيئة الحسنة تمحها "، ثم حق العباد فى قوله صلى الله عليه وسلم "وخالق الناس بخلق حسن".
أخى المستمع .. هذه وصية فى غاية الأهمية فى حياة المسلم، فليس هناك على وجه الأرض إنسان معصوم من الخطأ، إذ أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "أن كل بنى آدم خطاء، وخيرَ الخطائين التوابون" .
فهذا الحديث يفتح للمسيئ ـ وكلنا هذا الرجل ـ بابَ الإحسان إلى النفس، وذلك حين تِزلُّ القدمُ فى ذنب من الذنوب، فيسارعُ المرءُ إلى التوبة منه، وإحداثِ حسنة من استغفار أو صدقة أو تلاوة للقرآن أو دعاء بالمغفرة، هذه الحسنة تمحو هذه الذنوبَ والآثامَ كما قال تعالى(وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) [هود 114] فإذا أساء المرءُ بالوقوع فى خطأ فليسارع بالتوبة والصلاة، عسى الله أن يمحو هذه السيئة، أو أن يبدل السيئات حسنات أما مخالقة الناس بالخلق الحسن، فإن النبى صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، وكل حياته صلى الله عليه وسلم يُلمس فيها حسنُ الخلق مع الصغير والكبير ومع المؤمنين وغيرهم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم "أثقل شئ فى الميزان حسن الخلق"(1). وقد امتدحه الله سبحانه بقوله تعالى [وإنك لعلى خلق عظيم](القلم 4)
ولقد جمع الله تعالى مكارم الأخلاق فى قوله تعالى "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [الأعراف 199].
وقد كان عليه السلام أحسن الناس خلقاً، فما قال لخادم له أفٍ قط، ولا قال له لشئ فعلَه لم فعلت، ولا لشئ لم يفعله لِمَ لَمْ تفعله.
إن من أسباب السعادة حسنَ الخلق مع الناس، وأولى الناسِ بحسن الخلق هم: الأبوان، والزوج، والأولادُ، ثم سائرُ الناس، بل والطيرُ والحيوانُ.
وحسن الخلق يستر كثيراً من السيئات، كما أن سوء الخلق يُغطى كثيراً من الحسنات.
وإن من المخالقة الحسنة أن يحلُمَ المرءُ على السفهاء، وقد رُوى أن رجلاً شتم الشعبى فقال الشعبى: إن كنتُ كما قلتَ فغفرَ اللهُ لى ، وإن لم أكن كما قلتَ فغفر اللهُ لك.
أىُّ حِلْمٍ هذا، وأىُّ صبرٍ حين يأتى إليك إنسانٌ فيجهلُ عليك بسبًّ أو نحوه، ثم تقابل أنت ما يفعله ببشاشةِ وَجْهٍ وحلمٍ، وهدوء نفس، إنك إن فعلت هذا أخى الحبيب رجع ذلك المخطئ بإحدى اثنتين إما إلى رشده فيعترف بخطئه فيعتذر لك، وإما يموت كمداً، كما قال القائل.
إذا نطقَ السفيهُ فلا تُجِبْهُ *** فخيرٌ من إجابته السكوتُ
فإن أجبتَه فرّجْتَ عنـه *** وإن تركتَه كَمَداً يمـوت
أخى المستمع .. إن حسن الخلق صفة سيد المرسلين، وأفضل أعمال الصديقين أما الأخلاق السيئة فهى سموم قاتلة، ومخازٍ فاضحة، ورذائل واضحة، ومعالجتها هُو المراد بقوله تعالى (قد أفلح من زكاها)[الشمس9].
وإهمالُها هو المراد بقوله تعالى " وقد خاب من دساها" [الشمس 10] .
يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله: "إذا نمت الرذائل فى النفس، وفشى ضررُها، وتفاقمَ خطرُها انسلخَ المرءُ من دينه كما ينسلخ العريانُ من ثيابه، وأصبحَ ادعاؤه للإيمان زوراً، فما قيمة دين بلا خلق؟" وما معنى الإفساد مع الانتساب لله، وصدق لعمر الله فإن تزكية النفوس تكون بالتحلى بالأخلاق الحسنة، والتخلى عن الأخلاق السيئة، وهو ربع الرسالة إذ وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه "يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" [آل عمران 164] .
فالتزكية ربع الرسالة، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول :" أنا زعيمٌ ببيتٍ فى رَبَضِ الجنة لمن ترك المِرَاءَ وإن كان مُحِقّاً، وببيت فى وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت فى أعلى الجنة لمن حسن خلقه" (2).
ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجاتِ قائم الليل وصائم النهار (3) وبيّن صلى الله عليه وسلم أن الله يحب معالى الأخلاق ويكره سفسافها (4).وقال عليه الصلاة والسلام "خياركم أحاسنكم أخلاقا" (5) .
أخى المستمع الكريم .. إن حسن الخلق يقوم على الصبر وكف الأذى والحلم والرفق، ويقوم على العفة واجتناب الرذائل. لقد دخل حاتم الطائى العربى المشهور بالكرم والمروءة قبل الإسلام، دخل امتحان الشهوة الجامحة التى يَعرض لها ما يُشبعُها، والطبيعةِ الضارية التى تتهيأ لها الفريسة، والمعدَم اللهفان الذى يتراءى له الغنى دانياً مواتياً ثم بعد ذلك تعتصم الشهوة بالخلق الحسن، وتتمسكُ الضراوة بالحياء ويتعالى المعدَمِ على الدنية.
رُبّ بيضاءَ فرعُها يتثنـى*** قد دعتنى لنفسهـا فَـأَبَيْتُ
لم يكنْ بى تَحَرُّجٌ غيرَ أنى*** كنت جاراً لبعلها فـاستَحَيْتُ
فانظر معى ـ أخى الحبيب ـ إلى هذا الرجل الذى استحيا من جاره، وهكذا كانوا قبل الإسلام، كما قال عنترة:
وأَغُضُّ طرفى ما بدت لى جارتى حتى يُوَارِىَ جارتى مأواها
لقد كان هذا فى أناس لم يُسلموا لله، ولم يدينوا بدين الحق، أليس من الأحرى بالمسلمين الذين عَرفوا حُسنَ الخلق وفضلَه أن يتحلوا بالأخلاق الحسنة مع الخَلْق، فيسلمَ الناسُ من أذاهم ويُنقّوا أنفسهم من الأخلاق الرديئة كالجهل والظلم والشهوة والغضب؟
وفقنا الله للأخلاق الحسنة، وهدانا للتى هى أقوم،
إنه ولى ذلك والقادر عليه
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ازيك يا محمد،،،
ردحذفخايفة أقولك بوست رائع : تضحك تانى،،بس والله فهمته وذاكرته كمان
طب أعمل ايه رائع فعلا: حسن الخلق، ما فيش أحسن من كده،،، ياريت لو نقدر ننعم ببعض منه كانت الدنيا اختلفت،،،
تحياتى
اهلا بالملكة
ردحذفنعم نستطيع لما كل شخص يبداء بنفسة و من حولة
كلكم راعى صح
و انتى قولتى كدة من قبل نبذاء بنفسنا
وانتى عايزة اية اجمل من خلق و سلوكيات النحل
انا حاسس بعطر الورد فى تعليقاتك بالمدونة