ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن ...)
قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14] . هذه الآية جملة معترضة بين وصايا لقمان، وكأن الله سبحانه تبارك وتعالى لما ذكر نصيحة لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13] أراد أن يذكر بعدها وصيته هو بعدم عقوق الوالدين، والوصية من الله عز وجل بالوالدين تكررت مراراً في كتاب الله سبحانه، فهو سبحانه ينهى عن الشرك به، ويأمر الإنسان بأن يوحد ربه سبحانه وتعالى، وأن يشكر لله سبحانه، ويشكر بعد ذلك للوالدين. فالله هو الذي خلقك وأوجدك، وكان سبب وجودك في هذه الدنيا أن أباك تزوج أمك وكنت أنت نتيجة لذلك. فأمرك الله أن تشكر له عز وجل الذي خلقك، وتشكر لوالديك اللذين كانا سبب وجودك في هذه الدنيا، وهما اللذان ربياك كما أخبر الله سبحانه. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا [لقمان:14] فالوصية من الله سبحانه تبارك وتعالى. وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ [لقمان:14] أي: بأبيه وأمه، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ
فِي عَامَيْنِ [لقمان:14] وإن كان الأب قد أنفق على الابن ورباه، فإن الأم لها وصية زائدة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنها حملته وهناً على وهن، فكانت الوصية بالأم أكثر من الوصية بالأب، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل: (من أحق الناس بحصن صحابتي؟ -أي: من أبر أكثر؟- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) . فوصى بالأم ثلاثاً وبالأب مرة، فكأن الأم تستحق أن يرعاها ابنها ويتحنن عليها مرات ومرات، وإذا كان قد أوصاه الله عز وجل بالوالدين إلا أن الأم أقرب وتستحق من الرعاية ما هو أكثر، وإن كان مطلوباً من الابن أن يبر الاثنين الأب والأم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) وكذلك الأم لها حق الرعاية، ولها نفقة واجبة عليك إن احتاجت إلى ذلك. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا [لقمان:14] الوهن: هو الضعف، فالأم كانت ضعيفة في حال حملها، وكلما كبر الحمل كلما ازداد ضعفها. قال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14] وهي صابرة على ذلك، ومحبة لهذا الذي في بطنها، ولا تتضجر من ذلك، بل تنتظره، فإذا خرج إلى هذا الوجود وإلى هذه الدنيا كانت أشد حناناً عليه، وأشد محبة له، مع كونه يؤذيها وقد يضرها، ومع ذلك فإنها تفدي ابنها بنفسها، فوصى ربنا سبحانه الابن بها، وذكره بمراحل خلقه. قال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14] والفصال: هو الفطام، فهو يرضع من أمه عامين كاملين، وقد تتأذى به، ولكنها تفرح بتربيته وبقربه، وهو يبول ويتغوط عليها، وهي تحبه وتدللـه. فأي رعاية وأي حنان بعد حنان الأم على ابنها؟! فلذلك أوصاه الله عز وجل بأمه وأوصاه بالوالدين، وأكد الوصية بالأم، فقال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ [لقمان:14] والفصال: المفارقة، يعني: أنها تفطمه بعد عامين.
قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، فأمر الله عز وجل العبد بأن يشكر لله سبحانه، وأن يحمده ويثني عليه الثناء الجميل؛ لأنه سبحانه هو الذي خلقه، وكذلك يشكر لوالديه؛ لرعايتهما وتربيتهما له. قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] فما دمت حياً فاشكر لله سبحانه الذي خلقك، واعبده سبحانه حق العبادة، وكذلك اشكر لوالديك أحياءً كانا أو أمواتاً، فإذا كان الأب والأم أحياء فاشكر لهما حسن صنيعهما معك، وتذكر لهما هذا الجميل، ولا تنساه أبداً، فمهما عملت للوالدين فلن توفيهما جميلهما معك. وانظر إلى الأب والأم عندما كان الابن صغيراً فقد كانا يرعيانه ويحملانه ويتعبان معه، وهما في ذلك في غاية الفرح بهذا الأمر، ويتمنيان حياة الابن، فإذا كبر الأب والأم واحتاجا إلى الرعاية من الأبناء فتجد الفرق الكبير بين رعاية الأب لابنه وبين رعاية الابن لأبيه، فقد كان الأب يتمنى حياة الابن، وإذا وصل الأب إلى الشيخوخة والهرم فإن الابن يتمنى وفاته. لقد كان الأب والأم يربيان الابن وهو صغير، ويفرحان به في صوابه، ويعلمانه في خطئه، وأما الابن إذا كبر أحد والديه فينعكس الأمر؛ فإنه يتضجر سريعاً مما يفعلانه في كبرهما. فالفرق كبير بينهما، فمهما فعل الابن مع أبيه وأمه فلن يوفيهما حقهما، فلذلك يجب على الابن رعاية أمه وأبيه والشكر لهما وإظهار الحب والملاطفة لهما، ولينظر في أحوال الصالحين السابقين كيف كانوا يصنعون مع آبائهم من رعاية، ومن تحنن، فقد كان أحدهم يبيت تحت قدمي أمه يرعاها ويخدمها، ويقول: هذا خير لي من قيام الليل، أي: السهر على أمه المريضة تحت قدمها فلعلها تحتاجه في شيء، يقول: هذا خير من قيام الليل، و كانوا يبرون والديهم طاعة لله سبحانه وحباً في هذه الطاعة، فليكن الإنسان المؤمن مقتدياً بالسلف الصالح في طاعتهم لله سبحانه وبرهم للوالدين. قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وهذه الآية فيها من التهديد ما فيها، فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي [لقمان:14] وإذا لم تشكر فإنك سترجع إلي مرة ثانية وإذا لم ترع الوالدين فأين ستذهب؟ فمهما ذهبت ومهما علوت فسترجع إلينا مرة ثانية، فإن المصير والمرجع إلى الله سبحانه وتعالى. والإنسان إذا تذكر ذلك يسأل نفسه: إن عصيت ربي فأين سأذهب بهذه المعصية؟ وأي أرض تحملني؟ وأي سماء تظلني إذا كنت عاصياً لله سبحانه؟ وأين أذهب من الله؟ وأين أهرب منه سبحانه وتعالى؟ قال تعالى: إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14] أي: سترجع إلي مرة ثانية.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفايه الحاجات الجميلة دي تسلم الايادي والفيديوهات جمييلة من اكتر الاغاني اللي عبرت عن عيد الام بجد اغنية فايزة احمد..عايزة اقولك كمان ان ربنا سبحجانه وتعالى بعد ما قال " بسم الله الرحمن الرحيم وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه " ذكر بعدها " وبالوالدين احسانا " صدق الله العلي العظيم يعني منزلة الاحسان للوالدين اتت بعد توحيد ربنا من كتر مكانتهم عند الله سبحانة وتعالى..مزيد من التقدم
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
ردحذفمرحبا بالاميرات لولا و زهراء
شكرا لكم و كم انا ممتن لزيارتكم و اتمنى دوام التواصل بيننا
بجد رااااااااائع محمد
ردحذفتسلم هالأيادي يارب ...
وكل سنه وأمهات العالم بخير وبصحه وسلامه ومنورين حياتنا يارب
... ;) ,,, ;) ...
اهلا استاذة غادة
ردحذفالرائع تشريفك للمدونة و كل عام و الجميع بالف مليون صحة وسعادة
و شكرا للزيارة و التواصل